فيا ليت شعري، هل أصير لجنة=فأهنا، واما للسعير فأندما
فلله در العارف النّدب، أنه =تسح لفرط الوجد أجفانه دما
يقيم اذا ما الليل جن ظلامه=على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحا اذا ما كان في ذكر ربه=وفيما سواه في الورى كان معجما
الأمام الشافعي هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ، بن عبيد بن يزيد ، بن هاشم بن المطلب ، ابن عبد مناف على ما تروي الغالبية من مؤرخي الرجال ، فهو بذلك قرشي ، وأما أمه فهي أزدية على الصحيح وكنيتها أم هبية الأزدية .
* ولد الإمام الشافعي بغزة سنة 150 هـ وهي السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة ، وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين .
والشافعي وإن كان قد ولد من نسب شريف ، ولكنه عاش يتيما عيشة الفقراء إلى أن استقام عوده ، وقد حرصت والدته على تثقيفه فحفظ القرآن الكريم بسهولة نادرة ، ثم اتجه إلى حفظ الأحاديث فاستمع إلى المحدثين وحفظ الحديث بالسمع ثم كتبه على الخزف أحيانا وعلى الجلود أحيانا أخرى .
وقد كان مع حفظه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يميل إلى تعلم الفصحى ، فخرج بذلك إلى البادية ولزم أهلها .
وقد أقام في البادية مدة طويلة استغرقت عشر سنوات كما ذكر ابن كثير في إحدى الروايات ، جعلته يتخذ من عادات أهل البادية ما يراه حسنا .
أما العلم فقد طلبه الشافعي بمكة ، فتفقه وبلغ شأنا عظيما في الفقه ومن ثم رحل إلى المدينة ليستفيد من فقه الإمام مالك بن أنس . فروى عنه الموطأ ودارسه في المسائل التي كان يفني فيها الإمام مالك إلى أن توفي عام 179 بوقت بلغ الشافعي فيه سن الشباب .
وبعد رحلة إلى نجران باليمن ، قدم الشافعي بغداد سنة 184 وهو في الرابعة والثلاثين من عمره ، فأقام فيها حوالي سنتين أخذ يدرس خلالها فقه العراقيين ، فقرأ كتب الإمام محمد بن الحسن ، وتلقاها عليه وبذلك اجتمع له فقه الحجاز وفقه العراق ، ومن ثم عاد الشافعي إلى مكة وأخذ يلقى دروسه في الحرم المكي والتقى به أكابر العلماء واستمعوا إليه ، وفي هذا الحين التقى به الإمام أحمد بن حنبل وأعجب بنجابته .
عاد الشافعي إلى بغداد للمرة الثانية عام 195هـ، فألف لأول مرة كتاب
" الرسالة " الذي وضع فيه الأساس لعلم أصول الفقه وشرائط الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس وبيان الناسخ والمنسوخ ، ومراتب العموم والخصوم ، كما حققه الرازي في مناقب الشافعي ، والخطيب في تاريخ بغداد . ثم اعتزم السفر إلى مصر فوصل إليها عام 199 هـ .
وتوفي سنة 204 هـ وقد بلغ من العمر 54 عاما .
ترك الامام الشافعي مجموعة من الأشعار مفرّقة في بطون تراجمه من كتب الفقه
والحديث والأدب والتراجم، وهي مجموعة تسلك في الشعر الديني الذي يدعو الى الخير،
وينمّي منازع الانسان الصالحة حتى تزداد وتقوى، في الوقت الذي يدعو
الى مجاهدة كل الميول والأهواء والرغائب التي تنتهي به-ان تولّاها - الى الانحدار
والارتكاس والهبوط. ومن هنا كانت الحكمة أول أغراض الشافعي في شعره.
تدور الحكمة في شعر الشافعي على التأمل وما يكون وراءه من اعتبار بالتجارب العريضة،
واهتداء للايمان، والقواعد النافعة في الحياة، وما يدفع ذلك اليه من مواعظ وأخلاق.
يتبصّر الشافعي في معاده المحتوم: هل هو جنّة هنّية أو نار متلظّية؟.
انّ من يدري هول ذلك اليوم ليذرف الدمع تلو الدمع، ويقطع الليل تفكيرا وذكرا ويقل الكلام فيما سوى الذكر:
فيا ليت شعري، هل أصير لجنة=فأهنا، واما للسعير فأندما
ذلك المصير هو المهيب الرهيب، وهو ما يخالف مألوف الشدائد في هذه الفانية،
فان شدائد الدنيا- مهما كانت- زائلة قصيرة، وان أيامها لآتية على كل نعيم فيها وكل ضنك وجائحة (مصيبة):
عواقب مكروه الامور جبار=وايام شر لا تدوم قصار
وليس بباق بؤسها ونعيمها=اذا كر ليل ثم كر نهار
فكم من طاغ في هذه الحياة قد أسرف في بغيه، ثم انتكس فجأة وأحاطت به
هموم ثقال ومصائب فادحة فكانت هذه بتلك جزاء مقسطا وثوابا غير جائز:
تحكموا فاستطالوا في تحكمهم =وعما قليل كأن الحكم لم يكن
لو أنصفوا أنصفوا ، لكن بغوا فبغى=عليهم الدهر بالأحزان والمحن
فأصبحوا ولسان الحال ينشدهم=هذا بذاك ولا عتب على الزمن
لايمان بالله واليوم الآخر
شهـدت بـان الله لا رب غـيـره =وأشهد أن البعـث حـق وأخلـص
وأن عـرى الإيمـان قـول مبيـن =وفعل زكي قـد يزيـد وينقـص
وأن أبـا بـكـرٍ خليـفـة ربــه =وكان أبو حفصٍ على الخير يحرص
وأشهـد ربـي أن عثمـان فاضـل =وأن عليـاً فضـلـه متخـصـص
أئمـة قــومٍ يهـتـدي بهـداهـم =لحـى الله مـن إياهـم يتنـقـص
والايمان كنز للآخرة، اذا كان الذهب كنز الحياة الدنيا:
واعلم بأن كنوز الأرض من ذهب=فاجعل كنوزك من بر وايمان
( الرِّضى بقضاء الله )
دَعِ الأيَّامَ تفعَـلُ مـا تشـاءُ=و طِبْ نفساً إذا حَكَمَ القضـاءُ
و لا تجْزَعْ لِحَادِثـةِ الليالِـي=فمَا لِحَوَادِثِ الدُّنيا بَقـاءُ
و كُنْ رَجُلاً عَلى الأهْوَالِ جَلْداً=و شِيمَتكَ السَّمَاحَـة و الوَفـاءُ
و إن كَثرَتْ عُيُوبُكَ في البَرَايا=و سَرَّكَ أنْ يَكُـونَ لَهَـا غِطَـاءُ
تسَترْ بالسَّخاءِ فكُـلُّ عَيْـبٍ=يُغطيهِ، كمَـا قِيـلَ، السَّخـاءُ
و لا تـُرِ لِلأعَـادِي قـط ُّ ذلاً=فإنَّ شَمَاتـة َالأعْـدا بَـلاءُ
و لا ترْجُ السَّمَاحَة َمِنْ بخِيـلٍ=فمَا فِي النارِ للظمْـآنِ مَـاءُ
و رِزْقكَ ليْسَ يُنقِصُهُ التأنـي=و ليْسَ يَزِيدُ في الرِّزْقِ العَناءُ
و لا حُزْنٌ يَدُومُ و لا سُـرُورٌ=و لا بُؤسٌ عَليْـكَ و لا رَخـاءُ
إذا مَا كُنتَ ذا قلـْبٍ قنـوعٍ=فأنتَ و مَالِـكُ الدُّنيـا سَـوَاءُ
و مَنْ نزَلتْ بسَاحَتِـهِ المَنايَـا=فلا أرضٌ تقِيـهِ و لا سَمَـاءُ
و أرْضُ الله وَاسِعَـة ٌ و لَكِـنْ=إذا نزَلَ القضا ضاقَ الفضاءُ
دَعِ الأيَّامَ تغـدِرُ كـلَّ حِيـنٍ=فمَا يُغنِي عَنِ المَوْتِ الـدَّوَاءُ
وارادة الله تعالى هي الماضية، وحكمه هو النافذ، يعلم -منذ أن خلق الناس،
ماذا سوف يصيبون وما سيكون عليه أمرهم:
ما شئت كـان وإن لـم أشـأ=وما شئت إن لم تشأ لم يكـن
خلقت العباد لما قـد علمـت =ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقـي ومنهـم سعيـد=ومنهم قبيـح ومنهـم حسـن
على ذا مننت ، وهذا خذلـت=وذلك أعنـت وذا لـم تعـن
ان الله تعالى مالك الملك، اذا رجاه عباده رزقهم، وهو خبير حكم عدل لا يظلم نقيرا،
وعليه يتوكل العباد فيرزقهم ويقسم بينهم معيشتهم:
توكلت في رزقي على الله خالقي=وأيقنت أن الله لا شـك رازقـي
وما يك من رزقٍ فليس يفوتنـي=ولو كان في قاع البحار الغواسق
سيأتي بـه الله العظيـم بفضلـه=ولو لم يكن مني اللسان بناطـق
ففي أي شـيءٍ تذهـب حسـرةً=وقد قسم الرحمن رزق الخلائـق
العبر
كان تأمل الشافعي يدفعه الى التبصّر في تجارب الحياة الواسعة
واستشراف عبرها الواعية وقواعدها الحكيمة المصطفاة.
الثراء من الله
من الخطأ أن يوهب الانسان الخير ثم لا ينفقه في سبيل ليكسب أجر الله تعالى
وشكران الناس، ويقطف ثمرة حظّه، فبالحظ يغنى الناس، والقدر غالب على أمره:
إن الذي رزق اليسار فلن يصب =حمدا ولا أجرا لغير موفق
فالجد يدني كل أمر شاسع =والجد يفتح كل باب مغلق
وإذا سمعت بأن مجدودا حوى =عودا فأورق في يديه فحقق
وإذا سمعت بأن محروما أتى =ماء ليشربه فغاض فصدق
لو أن بالحيل الغنى لوجدتني=بنجوم أرجاء السماء تعلقي
لكن من رزق الحجا حرم الغنى=ضدّان مفترقان أيّ تفرّق
وأحق خلق الله بالهم امرؤ =ذو همة يبلى بعيش ضيق
ومن الدليل على القضاء وكونه =بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
الفقر ابتلاء
لا يدرك الحكمة من عمره =يكدح في مصلحة الأهـل
ولا ينــال العلم إلا فتى=خال من الأفكار والشغـل
لو أن لقمان الحكيم الذي=سارت به الركبان بالفضل
بُلي بفقر وعـيـال لمـا =فرق بين التبن والبقــل
وأعرض عن الجاهلين
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم=إن الجواب لباب الشر مفتاح
فالصمت عن أحمق أو جاهل شرف=وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
مراعاة من تعاشره
وأنزلني طول النوى دار غربة=يجاورني من ليس مثلي يشاكله
أحامقه حتـى يقـال سجيــة=ولو كان ذا عقل لكنت أعاقلـه
لا تؤت العلم غير أهله
فمن حوى العلم ثم أودعه =بجهله غير أهلـه ظلمـه
وكان كالمبتني البناء اذا=تم له ما أراده هدمه
العالم والسفيه على طرفي نقيض
ان السفهاء لا يقيمون لعارف وزنا، ولا يقدّرون له علما، بل يلجّون في
مخالفة مقالاته ما استطاعوا، وهو من جانبه يسأم عشيرتهم، ويتجانب مجالستهم:
ومنزلة السفية من الفقية=كمنزلة الفقية من السفيه
فهذا زاهد في قرب هذا=وهذا فيه أزهد منه فيه
إذا غلب الشقاء على سفيه=تنطّع في مخالفة الفقيه
اجتراء الناس على انتقاص الآخرين
ليس أحد بسالم من ألسنة الناس، أو من سفهائهم، حتى المصطفى
صلى الله عليه وآله وسلم، انهم اذا رأوك صامتا رموك بالبكامة (الخرس)،
واذا وجدوك فصيحا اتهموك بالثرثرة، واذا ألفوك صائم نهار قائم ليل قذفوك بالرياء....
وما أحد من ألسن الناس سالم=ولو أنه ذاك النبي المطهر
فان كان سكيتا قالوا أبكم=وان كان منطيقا يقولون أهدر
وان كان صوّاما وبالليل قائما=يقولون زرّاق يرائي ويمكر
الترفع عن اللّدد
لقد أسمع القول الذي كاد كلما=تذكّرنيه النفس قلبي يصدع
وأبدي لمن أبداه منّي بشاشة=كأني مسرور بما منه أسمع
وما ذاك من عجب به غير أنني=أرى ترك الشر للشر أقطع
الصديق وقت الضيق
صديق ليس ينفع يوم باس =قريب من عدو في القياس
وما يبغى الصديق بكل عصر =ولا الإخوان إلا للتآسي
ومن الشقاوة أن تحب=ومن تحب يحب غيرك
أو أن تريد الخير للانسان=وهو يريد ضرك
ما كل من أراد الخير ببالغه
رام نفعا فضرّ من غير قصد=ومن البرّ ما يكون عقوقا
الطبيب السقيم
جاء الطبيب يجسني فجسسته=فاذا الطبيب لما به من حال
وغدا يعالجني بطول سقامه=ومن العجائب أعمش كحّال*
من صبر ظفر
بقدر الكدّ تكتسب المعالي=ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كدّ=أضاع العمر في طلب المحال
تروم العز ثم تنام ليلا=يغوص البحر من طلب اللآلي
العمل بلا توفيق خيبة
ان النسر - على قوته- يطعم الجيف المنتنة، والذباب- على قلة شأنه- ينال أشهى أنواع العسل!
أكل العقاب بقوة جيف الفلا=وجنى الذباب الشهد وهو ضعيف
كتمان السر
اذا المرء أفشى سره لصديقه=ودل عليه غيره فهو أحمق
اذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه=فصدر الذي أودعته السر أضيق
مشاق الغربة
انّ الغريب له مخافة سارق=وخضوع مديون وذلة وامق
واذا تذكر أهله وبلاده=ففؤاده كجناح طير خافق
العلم يم خضم
كلما أدبني الدهر=أراني نقص عقلي
واذا ما ازددت علما=زادني علما بجهلي
أرفق الناس بالمرء نفسه
ما حكّ جلدك مثل ظفرك=فتول أنت جميع أمرك
واذا قصدت لحاجة =فاقصد لمعترف بفضلك
الدنيا سراب خلاب، وجيفة نتنة
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها=وسـيق إلينا عذبها وعذابهـا
فلم أرهـا إلا غروراً وباطلاً =كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي إلا جيفـة مستحيلة=عليها كـلاب همهن اجتذابهـا*
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها =وإن تجتذبها نازعتك كـلابها
أن تعيش وحيدا خير لك من مجالسة السفيه
اذا لم أجد خلا تقيا فوحدتي=ألذ وأشهى من غوي أعاشره
وأجلس وحدي للسفاهة آمنا=أقر لعيني من جليس أحاذره
أكرم نفسك
زن من وزنك بما اتزنت =وما وزنك به فزنه
من جا اليك فرح اليه =ومن جفاك فصد عنه
من ظن أنك دونه=فاترك هواه اذا وهنه
وارجع الى رب العباد=فكل ما يأتيك منه
حذار حذار الدنيا
يا راقد الليل مسروراً بأوله =إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
كم قد أبادت صروف الدهر من ملكٍ =قد كان في الدهر نفّاعاً وضرارا
يامن يعانق دنيا لا بقاء لها =يمسي ويصبح في دنياه ســفارا
هلّا تركت من الدنيا معانقةً؟ =حتى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها =فينبغي لك ألا تأمن النارا
الحر من دان نفسه
نعيب زماننا والعيـب فينـا=وما لزماننا عيـب سوانـا
وقد نهجو الزمان بغير جرم=ولو نطق الزمان به هجانـا
وليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ =ويأكل بعضنا بعضا عيانـا
حسن المعاشرة
اذا شئت أن تحيا سليما من الأذى=وحظك موفور وعرضك صين
لسانك لا تذكر به عورة امرىء =فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك ان أبدت اليك معايبا=فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى=وفارق ولكن بالتي هي أحسن
( الحظوظ )
تموت الأسد في الغابات جوعاً=و لحم الضأن تأكله الكلابُ
و عبد قد ينام على حريرٍ=و ذو نسبٍ مفارشه الترابُ
( تجنب الكذب )
لئن بَعُدَتْ دَارُ المُعَزِّى و نابَهُ = مِنَ الدَّهْرِ يومٌ و الخطُوب تنوبُ
لمَشْيٌ على بُعْدٍ على عِلَّةِ الوَجَى = أدِبُّ و مَنْ يَقضِي الحُقوقَ دَبوبُ
ألذ ُّو أحْلَى مِنْ مَقالٍ و خلفهُ = يُقالُ إذا ما قمْتَ : أنتَ كَذوبُ
و هَلْ أحَدٌ يُصْغِي إلى عُذرِ كاذِبٍ = إذا قال لم تأبَ المَقالَ قلوبُ
( العلم و التقوى )
اصبرْ على مُرِّ الجفا مِنْ مُعَلمٍ=فإنَّ رُسُوبَ العِلْمِ في نفراتِهِ
و مَنْ لم يَذقْ مُرَّ التعَلمِ ساعة ً=تجَرَّعَ ذلَّ الجَهْلِ طولَ حَيَاتِهِ
و مَنْ فاتهُ التعْليمُ وَقتَ شبابهِ=فكَبِّرْ عليهِ أربعاً لِوَفاتِهِ
و ذات الفتى و الله بالعِلْمِ و التقى=إذا لم يكُونا لا اعْتِبارَ لِذاتِهِ
( شحّ البخلاء )
و أنطقت الدراهم بعد صمتٍ=أناساً بعد ما كانوا سكوتاَ
فما عطفوا على أحدٍ بفضلٍ=و لا عرفوا لمكرمةٍ ثبوتاَ
( لا تهْزأ بالدعاء )
أتهْزأ بالدُّعَـاءِ و تزْدَرِيـهِ=و ما تدْرِي بمَا صَنعَ الدُّعَاءُ
سِهَامُ الليلِ لا تخطِي و لَكِنْ=لهَا أمَدٌ و للأمَـدِ انقِضـاءُ
فيُمْسِكُها إذا مَا شاءَ رَبـِّي=و يُرْسِلُهَا إذا نفذ القضـاءُ
( أدب المناظرة )
إذا ما كنت ذا فضلٍ و عِلمٍ=بما اختلف الأوائل و الأواخرْ
فناظر من تناظر في سكونٍ=حليماً لا تلِـحُّ و لا تكابرْ
يفيدُك ما استفادَ بلا امْتِنانٍ=مِنَ النُّكَتِ اللطيفةِ و النوادرْ
و إياك اللَّجُوجَ و من يُرائي=بأني قد غلبتُ و مَنْ يُفاخرْ
فإن الشرَّ في جَنبَاتِ هـذا=يُمَنِّي بالتقاطعِ و التدَابُرْ
( الاستعداد للآخرة )
يا راقدَ الليلِ مسروراً بأوَّلِهِ=إنَّ الحوادِثَ قد يَطرُقنَ أسْحارَا
أفنى القرونَ التى كانت مُنعَّمةً=كَرُّ الجَديدَينِ إقبالاً و إدْبارَا
كم قد أبادتْ صُروفُ الدَّهرِ مِنْ مَلِكٍ=قد كان في الدهرِ نفاعاً و ضرَّارَا
يا من يُعَانقُ دُنيا لا بَقـاءَ لها=يُمْسِي و يُصْبحُ في دُنياهُ سَفـارَا
هَلاَّ ترَكتَ لِذٍي الدُّنيا مُعَانقةً=حتى تعَانِقَ في الفِرْدَوْسِ أبْكارَا
إن كنت تبغى جنانَ الخلدِ تسْكنها=فينبغي لكَ أنْ لا تأمَنَ النارَا